لماذا هُزمت “الشرعية” في عدن بـ 48 ساعة ؟
يمنات
انفقت الحكومة الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي في حربها في عدن، مليار ومئتا مليون ريال خلال 48 ساعة، لا تشمل العتاد العسكري الذي كانت تملكه ألوية الحماية الرئاسية، والتي أضحت أثراً بعد عين في غضون يومين فقط.
بعد وقف إطلاق النار، استدعت السعودية السلفي، حمدي شكري الصبيحي، ليحل محل ألوية الحماية الرئاسية في عدن، ما يعني أن ما رفض هادي تنفيذه بالاتفاق، أجبر عليه بقوة السلاح.
وبحسب المعلومات الوثيقة، فإن هادي رفض مراراً تنفيذ اتفاق ابرمه مع «التحالف»، قضى بسحب ألوية الحماية الرئاسية من عدن، والتي كانت تشكل خطراً على الوجود الإماراتي.
اليوم، وبعد أن أضحت الحكومة في عدن، من دون ظهير عسكري، وهو الأمر الذي يعتبره حزب «الإصلاح» النافذ في مكتب الرئيس هادي، يحول دون إمكانية تواجدها هناك، يتشكل واقع سياسي وعسكري جديد في عدن. ولكن كيف لتلك الألوية، التي تملك ترسانة وعتاد عسكري كبير، وإمكانات مادية ضخمة توفرها الحكومة، أن تهزم في غضون 48 فقط؟
لا شك بأن التشكيلات غير المتجانسة داخل تلك الألوية، والأجندة المتضاربة لمنتسبيها، والتي تصل حد التصادم، شكل عامل ضعف لها، بالإضافة إلى أن الحرب الحديثة، التي يحيد فيها السلاح الثقيل لصالح الجندي الفرد، كان عامل حسم آخر في معارك عدن.
افتقار الحكومة إلى التأييد الشعبي، والذي سعت طوال أكثر من عامين إلى تعويضه، عبر إنشاء عدد كبير من المواقع الإخبارية وإعلاميين نشرتهم في الداخل والخارج، تنفق عليهم أكثر من 300 ألف دولار شهرياً، بالإضافة إلى قنوات إخبارية موالية، لم يتمكنوا حين حمي الوطيس وأشهرت النصال من ترجيح كفتها في الميدان.
من جهته «التحالف»، كان قد حسم أمره بأهمية اجتثاث حكومة أحمد بن دغر، والتي ترى الإمارات أنها أضحت أداة بيد «الإخوان» عبر الحل العسكري، ولولا التدخل السعودي للحيلولة دون اقتحام القصر الرئاسي، الذي سلم أكثر من 400 جندي من حراسته أنفسهم دون قتال لأمن عدن، لرأينا العديد من أعضائها يجرون في شوارع كريتر وحواريها الضيقة.
رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، وسته من الوزراء الشماليين، تم إجلاؤهم عبر مركبين وطائرة مروحية إلى معسكر «التحالف» في منطقة الشعب، قبل ظهر يوم السقوط، الموافق في 29 يناير 2018، والذي قال الزبيدي عنه في خطاب متلفز، بأنه سيكون مغايراً تماماً لما قبله.
انتهى عهد بن دغر، وتجري الترتيبات لإعلان تقديمه استقالته أو إقالته، حيث سيجري تشكيل حكومة جديدة بوجوه جديدة، تتماهى وحقائق الواقع الجديد على الأرض.
درس صالح
على الرغم من أن ألوية الحماية الرئاسية، البالغ عددها 3 ألوية، بالإضافة الى لوائي القوات الخاصة والأمن المركزي في حي العريش ومعسكر بدر المحاذي للمطار، والوحدات التابعة لوزارة الداخلية، مع القوات التي كانت تتولى مهام حماية قصر معاشيق، والبالغ عددها أكثر من ألفي جندي، ناهيك عن المسلحين بزي مدني، التابعين لحزب «الإصلاح»، جميعهم قاتلوا باسم الحكومة الموالية لهادي، لكن كل تلك التشكيلات العسكرية والمدنية، هُزمت في وقت قياسي، ولم تتمكن من الصمود لأكثر من 48 ساعة، وكان يمكن أن تكون أقل، لو لم يتم أيقاف الوحدات المهاجمة بمقتضى هدنة طلبها «التحالف» في اليوم الأول من القتال، لإفساح المجال لهادي، كي يستجيب للمطالب التي قدمتها المقاومة.
مراقبون عسكريون قالوا، إن هادي لم يستوعب درس صنعاء بعد، وذلك من خلال اعتماده على ذات الجهات نفسها، التي كانت برفقته في صنعاء، وهي التي قدمت له معلومات مغلوطة عن طبيعة ما يحصل في عدن، الأمر الذي دفعه إلى إصدار بيان عصر يوم سقوط معاشيق، شبيه ببيان وزارة داخليته عشية انتهاء مهلة «الإنتقالي» بساعات، كان يحمل عبارات التحدي المطالبة بوضع حد لما أسموه بالتجاوزات غير المقبولة، التي يقدم عليها «الانتقالي» الجنوبي.
«لواء الجن»
يملك رئيس «المجلس الانتقالي» الجنوبي، عيدروس الزبيدي، لواءً يُطلق عليه قادته بـ«لواء الجن»، يبلغ قوامه أكثر من 2000 فرد، يدينون بالولاء الكامل للزبيدي، شريطة التزامه بأهداف الحراك الجنوبي، والعمل على تحقيقها، وهم على درجة عالية من التدريب، وهم من خاضوا معارك تحرير الضالع الدامية، والتي استخدمت في بعض مواجهاتها السلاح الأبيض، بعد نفاذ الرصاص من بنادق الجانبين. «لواء الجن»، بعقيدة الحراك، هو من حسم معركة معاشيق بأقل من 6 ساعات.
«لواء شلال»
يدين لمدير أمن عدن بالولاء أيضاً، لواء كامل ينفذ جنوده أي أمر يصدر إليهم من قبله، يتميزون بمهارات الاقتحام والمباغتة، وهم من تمكنوا من هزيمة تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في عدن، وهم من تولى اقتحام معسكر حيدان الحصين في جبل حديد، عبر تسلق أسواره وسط إطلاق كثيف للنيران.
وحدات مختار النوبي
تعد الوحدات التي يقودها القيادي في الحراك الجنوبي، مختار النوبي، من أقوى الوحدات العسكرية المنضوية في إطار قوات «الحزام الأمني»، وموقعها ردفان. شارك مختار من خلال عدد من أفراده في معارك إسقاط معاشيق، وتولى جنوده تطويق القصر عبر الأحياء الداخلية لمدينة كريتر، وصولاً إلى مقبرة القطيع، التي لا يفصلها عن القصر، سوى تلة منصوب، وأعلاها منزل الرئيس سالم البيض.
قوات أبو اليمامة
شارك القيادي في الحراك الجنوبي، قائد لواء الأول دعم وإسناد، أبو اليمامة، في العمليات العسكرية منذ اندلاعها فجر الـ 28 من يناير، وهو من تمكن من فتح الطريق الرابط بين مدينتي المنصورة وخور مكسر، والتي أغلقها جنود من ألوية الحماية الرئاسية، منعاً لوصول المشاركين في مهرجان ساحة العروض، التي كان مقرر إقامتها صبيحة اليوم نفسه. كما تمكنت قوات الحزام الأمني، من مواجهة قوات الأمن المركزي، والقوات الخاصة، ولواء الحماية في منطقة العريش، وصولاً إلى جولة العاقل، ومن ثم عدن مول المواجهة لبوابة قصر معاشيق الشمالية.
صالح السيد
لعب مدير أمن لحج، صالح السيد، دوراً كبيراً في معارك عدن، حيث تولى فرض الحصار على اللواء الرابع حماية، بقيادة مهران القباطي، والذي بسقوطه، سقطت آخر معاقل القوة الموالية لحزب «الإصلاح» في عدن.
جميع تلك الوحدات والتشكيلات العسكرية، أفرادها هم من أنصار الحراك الجنوبي، وهو ما شكل فرقاً في ترجيح الكفة لصالحهم في معارك عدن، وعامل ضغط على ألوية الحماية الرئاسية، التي سلم أكثر من 400 من أفرادها أنفسهم لأمن عدن، وعزوف آخرين عن القتال، فضلوا العودة إلى منازلهم.
عجز حكومة هادي عن تقديم أبسط الخدمات للسكان، وفشلها في الجانب الإقتصادي، شكل عوامل إضافية ساعدت خصومها على هزيمتها عسكرياً، حيث أن غالب السكان في عدن، أصبحوا على قناعة تامة بأنها أصبحت جزء من المشكلة ينبغي تغييرها. راهنت الحكومة على الموقف السعودي، معتبرةً بأنه سيكون داعماً لها، ملوحة بالورقة التي يهددون بها السعودية في حال وقفت في وجوههم، والمتمثلة بذهابهم إلى إبرام اتفاق مع «أنصار الله»، وطلب إعفاء «التحالف» من التدخل في اليمن، وهو مالم يحدث، خاصة بعد انتهاء المهلة التي أعطاها «التحالف» لـ«الإصلاح»، بناءً على اتفاق الرياض لإحداث فرق في موازين القوى على جبهات نهم والبياض ومأرب.
الرئيس هادي، الذي يواجه ضغطاً كبيراً من قبل «التحالف» يطالبه سريعاً بتشكيل حكومة تلبي تطورات الواقع الجديد على الأرض، وطي صفحة بن دغر، الذي تقول التسريبات إنه سيعين مستشاراً للرئيس هادي.
المصدر: العربي